الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
كلّ منهم أربعون ألف دينار كلّ دينار عشرة دراهم الارتفاع أربعمائة ألف درهم بما فيه من ثمن الغلال على ما شرح فيه من ذلك الكلف خمسة وثلاثون ألف درهم والخالص لكلّ منهم ثلاثمائة وخمسة وستون ألف درهم. الطبلخاناه الخرجية ثلاثون ألف دينار كلّ دينار ثمانية دراهم الارتفاع مائتان ألف وأربعون ألف درهم بما فيه من ثمن الغلال على ما شرح من ذلك الكلف سبعة آلاف درهم والخالص لكلّ منهم ثلاثة وتسعون ألف درهم. العشراوات الخرجية كلّ منهم سبعة آلاف دينار كلّ دينار عشرة دراهم الارتفاع سبعون ألف درهم بما فيهمن ثمن الغلال على ما شرح. من ذلك الكلف خمسة آلاف درهم والخالص لكلّ منهم خمسة وستون ألف درهم. الكشّاف لكلّ منهم عشرون ألف دينار كلّ دينار ثمانية دراهم الارتفاع مائة ألف وستون ألف درهم بما فيه من ثمن الغلال على ما شرح من ذلك الكلفة خمسة عشر ألف درهم الولاة الاصطبلخاناه كلّ منهم خمسة عشر ألف دينار كلّ دينار ثمانية دراهم الارتفاع مائة وعشرون ألف درهم بما فيه من ثمن الغلال على ما شرح من ذلك الكلف عشرة آلاف درهم والخالص لكلّ منهم مائة ألف وعشرة آلاف درهم. الولاة العشراوات لكلّ منهم خمسة آلاف دينار كلّ دينار سبع دراهم الارتفاع خمسة وثلاثون ألف درهم بما فيه من ثمن المغل على ما شرح من ذلك الكلف ثلاثة آلاف درهم والخالص لكلّ منهم اثنان وثلاثون ألف درهم. مقدّمو مماليك السلطان كلّ منهم ألف ومائتا دينار كلّ دينار عشرة دراهم الارتفاع إثنا عشر ألف درهم بما فيه من ثمان الغلال على ما شُرح من ذلك الكلف ألف درهم والخالص لكلّ منهم أحد عشر ألف درهم. مقدّموا الحلقة كلّ منهم ألف دينار كلّ دينار تسعة دراهم الارتفاع تسعة آلاف درهم بما فيه من ثمن الغلال من ذلك الكلف تسعمائة درهم والخالص لكلّ منهم ثمانية آلاف درهم ومائة درهم. نقباء الألوف لكل منهم أربعمائة دينار كلّ دينار تسعة دراهم الارتفاع ثلاثة آلاف وستمائة درهم بما فيه من ثمن الغلال من ذلك الكلف أربعمائة درهم والخالص لكلّ منهم ثلاثة آلاف مماليك السلطان ألفان بابة أربعمائة مملوك لكلّ منهم ألف خمسمائة دينار كلّ دينار عشرة دراهم عنها لأخمسة عشرة ألف درهم بابة خمسمائة مملوك كل واحد ألف وثلثمائة دينار سعره عشرة دراهم عنها ثلاثة عشر ألف درهم بابة ستمائة مملوك لكل واحد ألف دينار عنها عشرة آلاف درهم. اجناد الحلقة ثمانمئة آلاف وتسعمائة وإثنان وثلاثون فارسًا بابه ألف وخمسمائة فارس لكلّ منهم تسعمائة دينة بتسعة آلاف درهم بابة ألف وثلاثمائة وخمسين جنديًا لكلّ منهم ثمانمائة دينار بثمانية آلاف درم بابة ألف وثلاثمائة وخمسين جنديًا كل منهم سبعمائة دينار عنها سبعة آلاف درهم. بابة ألف وثلاثمائة جنديّ لكلّ منهم ستمائة دينار بستة آلاف درهم بابة ألف وثلاثمائة كلّمنهم بخمسمائة دينار بخسمة آلاف درهم. بابة ألف ومائة جندي لكلّ منهم أربعمائة دينار بأربعة آلاف درهم بابة ألف واثنين وثلاثين جنديًا لكلمنم ثلاثمائة دينار سعر عشرة دراهم عنها ثلاثة آلاف درهم. وأرباب الوظائف من الأمراء بعد النيابة والوزارة أمير السلاح والدوادار والحجبة وأمير جاندار والاستادار والمهندار ونقيب الجيوش والولاة. فلما مات الملك الناصر محمد بن قلاون حدث بين أجناد الحلقة نزول الواحد منهم عن إقطاعه لآخر بمال أو مقايضة الإقطاعات بغيرها فكثر الدخيل في الأجناد بذلك واشترت السوقة والأراذل الإقطاعات حتى صار في زمننا أجناد الحلقة أكثرهم أصحاب حرف وصناعات وخربت منهم أراضي إقطاعاتهم. وأوّل ما حديث ذلك أن السلطان الملك الكامل شعبان بن محمد بن قلاون لما تسلطن في شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة تمكن منه الأمير شجاع الدين أغرلوشادّ الدواوين واستجدّ أشياء منها المقايضة بالإقطاعات في الحلقة والنزول عنها. فكان من أراد مقايضة أحد بإقطاعه حمل كل منهما مالًا لبيت المال يقرّر عليهما ومن اختار حيزًا بالحلقة يزن على قدر عبرته في السنة دنانير يحملها لبيت المال فإن كانت عبرة الحيز الذي يريده خمسمائة دينار في السنة حمل خمسمائة دينار ومن أراد النزول عن إقطاعه حمل مالًا لبيت المال بحسب ما يقرّر عليه اغرلو وأفرد لذلك ولما يؤخذ من طالبي الوظائف والولايات ديوانًا سمّاه ديوان البدل وكان يعين في المنشور الذي يخرج بالمقايضة المبلغ الذي يقوم به كلّ من الجنديين وكان ابتداء هذا في جمادى الأولى من السنة المذكورة فقام الأمراء في ذلك مع السلطان حتى رسم بإبطاله فلما ولي الأمير منجك اليوسقيّ الوزارة وسيره في المال فتح في سنة تسع وأربعين باب النزول والمقايضات فكان الجندي يبيع إقطاعه لكلّ من بذل له فيه مالًا فأخذ كثير من العامة الإقطاعات فكان يبذل في الإقطاع مبلغ عشرين ألف درهم وأقل منه على قدر متحصله وللوزير رسم معلوم ثم منع من ذلك فلما كانت نيابة الأمير سيف الدين قيلاي في سنة ثلاث وخمسين مشى أحوال الأجناد في المقايضات والنزولات فاشترى الإقطاعات الباعة وأصحاب الصنائع وبيعت تقادم الحلقة وانتدب لذلك جماعة عرفت بالمهيسين بلغت عدّتهم نحو الثلاثمائة مهيس وصاروا يطوفون على الأجناد ويرغبونهم في النزول عن إقطاعاتهم و المقايضة بها وجعلوا لهم عل كلّ ألف درهم مائة درهم فلما فحش الأمر أبطل الأمير شيخون العمري النزولات والمقايضات عندما استقرّ رأس نوبة واستقل بتدبير أمور الدولة وتقدّم لمباشري ديوان الجيش أن لا يأخذوا رسم المنشور والمحاسبة سوى ثلاثة دراهم بعدما كانوا يأخذون عشرين درهمًا. الحجبة وكانت رتبة الحجبة في الدولة التركية جليلة وكانت تلي رتبة نيابة السلطنة ويقال لأكبر الحجبة حاجب الحجاب. وموضوع الحجبة أن متوليها بنصف من الأمراء والجند تارة بنفسه وتارة بمشاورة السلطان وتارة بمشاورة النائب وكان إليه تقديم من يُعرض ومن يْردّ وعرض الجند فإن لم يكن نائب السلطان فإنه هو المشار إليه من الباب والقائم مقام النواب في كثير من الأمور وكان حكم الحاجب لا يتعدّى النظر في مخاصمات الأجناد واختلافهم في أمور الإقطاعات ونحو ذلك ولم يكن أحد من الحجاب فيما سلف يتعرض للحكم في شيء من الأمور الشرعية كتداعي الزوجين وأرباب الديون وإنما يرجع لك إلى قضاة الشرع ولقد عهدنا دائمًا أن الواحد من الكتاب أو الضمان ونحوهم يفرّ من باب الحاجب ويصير إلى باب أحد القضاة ويستجير بحكم الشرع فلا يطمع أحد بعد ذلك في أخذه من باب القاضي وكان فيهم من يقيم الأشهر والأعوام في ترسيم القاضي حماية له من أيدي الحاجب ثم تغير ما هنالك وصار الحاجب اليوم سمًا لعدّة جماعة من الأمراء ينتصبون للحكم بين الناس لا لغرض إلاّ لتضمين أبوابهم بمال مقرّر في كل يوم على رأس نوبة النقباء وفيهم غير واحجد ليس لهم على الأمرة إقطاع وإنما يرتزقون من مظالم العباد وصار الحاجب اليوم يحكم في كلّ جليل وحقير من الناس سواء كان الحكم شرعيًا أو سياسيًا بزعمهم وإن تعرّض قاض من قضاة الشرع لأخذ غريم من باب الحاجب لم يمكَّن من ذلك ونقيب الحاجب اليوم مع رذالة الحاجب وسفالته وتظاهره من المنكر بما لم يكن يعهد مثله يتظاهر به أطراف السوقة فإنه يأخذ الغريم من باب القاضي ويتحكم فيه من الضرب وأخذ المال بما يختار فلا ينكر ذلك أحد البتة وكانت أحكام الحجاب أوّلًا يُقال لها حكم السياسة وهي لفظة شيطانية لا يعرف أكثر أهل زماننا اليوم أصلها ويتماهلون في التلفظ بها ويقولون: هذا الأمر مما لا يمشي في الأحكام الشرعية وإنما هو من حكم السياسة ويحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم وسأ بين معنى ذلك وهو فصل عزيز. أحكام السياسة اعلم أن الناس في زمننا بل ومنذ عهد الدولة التركية بديار مصر والشام يرون أن الأحكام على قسمين: حكم الشرع وحكم السياسة. ولهذه الجملة شرح فالشريعة هي ما شرّع الله تعالى من الدين وأمر به كالصلاة والصيام والحج وسائر أعمال البرّ واشتُقَّ الشرع من شاطىء البحر وذلك أن الموضع الذي على شاطىء البحر تشرع فيه الدواب وتسميه العرب الشريعة فيقولون للإبل إذا وردت شريعة الماء وشربت: قد شرع فلان إبله وشرّعها بتشديد الراء إذا أوردها شرية لماء والشريعة والشراع والشرعة المواضع التي ينحدر الماء فيها. ويقال: شرّع الدين يشرّعُهُ شرعًا بمعنى سنّه. قال الله تعالى: " وهو سائسٌ من قومٍ ساسةٌ وسوس وسوّسه القوم. جعلوه يسوسهم والسوس الطبع والخلق فيقال: الفصاحة من سوسِهِ الكرمُ من سوسِه أي من طبعِهِ. فهذا أصل وضع السياسة في اللغة. ثم رُسمت بأنها القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح وانتظام الأحوال. والسياسة نوعان: سياسة عادلة تُخرج الحق من الظالم الفاجر فهي من الأحكام الشرعية علمها من علمها وجهلها من جهلها. وقد صنف الناس في السياسة الشرعية كتبا متعدّدة. والنوع الآخر سياسة ظالمة فالشريعة تحرّمها وليس ما يقوله أهل زماننا في شيء من هذا وإنما هي كلمة مُغْليَّة أصلها ياسه فحرّفها أهل مصل وزادوا بأولها سينًا فقالوا سياسة وأدخلوا عليها الألف واللام فظن من لا علم عنده أنها كلمة عربية وما الأمر فيها إلاّ ما قلت لك. واسمع الان كيف نشت هذه الكلمة حتى انتشرت بمصر والشام. وذلك أن جنكز خان القائم بدولة التتر في بلاد الشرق لما غلب الملك أونك خان وصارت له دولة قرّر قواعد وعقوبت أثبتها في كتاب سمّاه ياسه ومن الناس من يسميه يسق والأصل في اسمه ياسه ولما تمم وضعه كتب ذلك نقشًا في صفائح الفولاذ وجعله شريعة لقومه فالتموه بعد حتى قطع الله دابرهم. وكان جنكز خان لا يتدين بشيء من أديان أهل الأرض كما تعرف هذا إن كنت أشرفت على أخباره فصار الياسه حكمًا بتًَّا بقي في أعقابه لا يخرجون عن شيء من حكمه. وأخبرني العبد الصالح الداعي إلى الله تعالى أبو هاشم أحمد بن البرهان رحمه الله: أنه رأى نسخة من الياسة بخزانة المدرسة المستنصرية ببغداد ومن جملة ما شرعه جنكزخان في الياسه أن: من زنى قُتِلَ ولم يفرق بين المحصن وغير المحصن. ومن لاط قُتِلَ ومن تعمَّد الكذب أو سحر أو تجسس على أحد أو دخل بين اثنين وهما يتخاصمان وأعان أحدهما على الآخر قُتِل. ومن بال في الماء أو على الرماد قُتِل. ومن أعطي بضاعة فخسر فيها فإنه يُقتل بعد الثالثة. ومن أطعم أسير قوم أو كساه بغير إذنهم قُتِل ومن وجد عبدًا هاربًا أو أسيرًا قد هرب ولم يردّه على من كان في يده قُتِل. وأنْ الحيوان تُكتَّف قوائمه ويشقُّ بطنه ويُمرس قلبه إلى أن يموت ثم يؤكل لحمه. وأنَّ من ذبح حيوانًا كذبيحة المسلمين ذُبح. ومن وقع حمله أو قوسه أو شيء من متاعه وهو يكرّ أو يفرّ في حالة القتال وكان وراءه أحد فإنه ينزل ويناول صاحبه ما سقط منه فإن لم ينزل ولم يناوله قُتِل. وشرط أن لا يكون على أحد من ولد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه مؤنة ولا كلفة وأن لا يكون على أحد من الفقراء ولا القراء ولا الفقهاء ولا الأطباء ولا من عداهم من أرباب العلوم وأصحاب العبادة والزهد والمؤذنين ومغسلي الأموات كلفة ولا مؤنة وشرط تعظيم جميع الملل من غير تعصب لملة على أخرى وجعل ذلك كله قربة إلى الله تعالى وألزم قومه أن لا يأكل أحد من يد أحد حتى يأكل المناول منه أوّلًا ولو أنه أمير ومن يناوله أسير. وألزمهم أن لا يتخصص أحد بأكل شيء وغيره يراه بل يُشركه معه ي أكله. وألزمهم أ لا يتميز أحد منهم بالشبع على أصحابه ولا يتخطى أحد نارًا ولا مائدة ولا الطبق الذي يؤكل عليه وأنّ من مرّ بقوم وهم يأكلون فله أن ينزل ويأكل معهم من غير إذنهم وليس لأحد منعه. وألزمهم أن يُدخِلَ أحد منهم يده في الماء ولكنه يتناول الماء بشيء يغترفه به ومنعهم من غسل ثيابهم بل يلبسونها حتى تبلى ومنه أن يُقال لشيء أنه نجس وقال: جميع الأشياء طاهرة ولم يفرق بين طاهر ونجس. وألزمهم أن لا يتعصبوا لشيء من المذاهب ومنعهم من تفخيم الألفاظ ووضع الألقاب وإنما يخاطب السلطان ومن دونه ويُدعى باسمه فقط وألزم القائم بعده بعرض العساكر وأسلحتها إذا أرادوا الخروج قد قصر في شيء مما يحتاج إليه عند عرضه أياه عاقبه. وألزم نساء العساكر بالقيام بما على الرطال من السخرِ والكلفِ في مدّة غيبتهم في القتال وجعل على العساكر إذا قدمت من القتال كلفة يقومون بها للسلطان ويؤدونها إليه. وألزمهم عند رأس كلّ سنة بعرض سائر بناتهم الأبكار على السلطان ليختار منهنّ لنفسه وأولاده. ورتب لعساكره أمراء وجعلهم أمراء ألوف وأمراء مئين وأمراء عشراوات وشرَّع أن أكبر الأمراء إذا أذنب وبعث إليه الملك أخس من عنده حتى يعاقبه فإنه يُلقي نفسه إلى الأرض بين يدي الرسول وهو ذليل خاضع حتى يمضي فيه ما أمر به الملك من العقوبة ولو كانت بذهاب نفسه. وألزمهم أن لا يتردد الأمراء لغير الملك فمن تردد منهم لغير الملك قتل ومن تغير عن موضعه الذي يُرسم له بغير إذن قُتِل. وألزم السلطان بقامة البريد حتى يعرف أخبار مملكته بسرعة وجعل حكم الياسه لولده جقتاي بن جنكز خان فلما مات التزم من بعده من أولاده وأتباعهم حكم الياسه كالتزام أوّل المسلمين حكم القرآن وجعلوا ذلك دينًا لم يعرف عن أحد منهم خالفته بوجه. فلما كثرت وقائع التتر في بلاد المشرق والشمال وبلاد القبجاق وأسروا كثيرًا منهم وباعوهم تنقلوا في الأقطار واشترى الملك الصالح نجم الدين أيوب جماعة منهم سماهم البحرية ومنهم منملك ديار مصر وأوّلهم المعز أيبك. ثم كانت لقطز معهم الواقعة المشهورة على عين جالوت وهُزِم التتار وأسر منهم خلقًا كثيرًا صاروا بمصر والشام ثم كثرت الوافدية في أيام الملك الظاهر بيبرس وملؤوا مصر والشام وخطب للملك بركة بن يوشي بن جنكز خان على منابر مصر والشام والحرمين فغصت أرض مصر والشام بطوائف المغل وانتشرت عاداتهم بها وطرائقهم هذا وملوك مصر وأمراؤها وعساكرها قد مُلئت قلوبهم رعبًا من جنكز خان وبنيه واتمزج بلحمهم ودمهم مهابتهم وتعظيمهم وكانوا إنما ربّوا بدار الإسلام ولقِّنوا القرآن وعرفوا أحكام الملة المحمدية فجمعوا بين الحق والباطل وضموا الجيد إلى الرديء وفوّضوا القاضي القضاى كل ما يتعلق بالأمور الدينية من الصلاة والصوم والزكاة والحج وناطوبه أمر الأوقاف والأيتام وجعلوا إليه النظر في الأقضية الشرعية كتداعي الزوجين وأرباب الديون ونحو ذلك واحتاجوا في ذات أنفسهم إلى الرجوع لعادة جنكز خان والاقتداء بحكم الياسة نصبوا الحاجب ليقضي بينهم فيما اختلفوا فيه من عوايدهم والأخذ على يد قويهم وانصاف الضعيف منه على مقتضى ما في الياسة وجعلوا إليه من ذلك النظر في قضايا الدواوين السلطانية عند الاختلاف في أمور الإقطاعات لينفذ ما استقرّت عليه أوضاع الديوان وقواعد الحساب وكانت من أجلّ القواعد وأفضلها حتى تحكم القبط في الأموال وخراج الأراضي فشرّعوا في الديوان ما لم يأذن به الله تعالى ليصير لهم ذلك سبيلًا إلى أكل مال الله تعالى بغير حقه وكان مع ذلك يحتاج الحاجب إلى مراجعة النائب أو السلطان في معظم الأمور. هذا وستر الحياء يومئذ مسدول وظلّ العدل صاف وجانب الشريعة محترم وناموس الحشمة مهاب فلا يكاد أحد أن يزيغ عن الحق ولا يخرج عن قضية الحياء إن لم يكن له وازع من دين كان له ناه من عقل. ثم تقلص ظل العدل وسفرت أوجه الفجور وكشر الجور أنيابه وقلت المبالاة وذهب الحياء والحشمة من الناس حتى فعل من شاء ما شاء وتعدّت منذ عهد المحن التي كانت في سنة ست وثمانمائة الحجاب وهتكوا الحرمة وتحكموا بالجور تحكمًا خفي معه نور الهدى وتسلطوا على الناس مقتًا من الله لأهل مصر وعقوبة لهم بما كسبت أيديهم ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. وكان أوّل ما حكم الحجاب في الدولة التركية بين الناس بمصر أن السلطان الملك الكامل شعبان بن الناصر محمد بن قلاون استدعى الأمير شمس الدين آق سنقر الناصريّ نائب طرابلس ليوليه نيبة السلطنة بديار مصر عوضًا عن الأمير سيف الدين سيف الدين بيغوا أميرًا حاجبًا كبيرًا يحكم بين الناس فخلع عليه في جمادى الأولى سنة ست وأربعين وسبعمائة فحكم بين الناس كما كان نائب السلطنة يحكم وجلس بين يديه موقعان من موقعي السلطان لمكتبة الولاة بالأعمال ونحوهم فاستمرّ ذلك. ثم رسم في جمادى الآخرة منها أن يكون الأمير رسلان يصل حاجبًا مع بيغوا يحكم بالقاهرة على عادة الحجاب فلما انقضت دولة الكامل بأخيه الملك المظفر حاجي بن محمد استقرّ الأمير سيف الدين أرقطاي نائب السلطنة فعاد أمر الحجاب إلى العادة القديمة إلى أن كانت ولاية الأمير سيف الدين جرجي الحجابة في أيام السلطان الملك الصالح صالح بن محمد بن قلاون فرسم له أن يتحدّث في أرباب الديوان ويفصلهم من غرمائهم بأحكام السياسة ولم تكن عادة الحجاب فيما تقدّم أن يحكموا في الأمور الشرعية وكان سبب ذلك ووقوف تجار العجم للسلطان بدار العدل في أثناء سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وذكروا أنهم ما خرجوا من بلادهم إلاّ لكثرة ما ظلمهم التتار وجاروا عليهم وأن التجار بالقاهرة اشتروا منهم عدّة بضائع وأكلوا أثمانها ثم هم يثبتون على يد القاضي الحنفي أعسارهم وهم في سجنه وقد أفلس بعضهم فرسم للأمير جرجي بإخراج غرمائهم من السجن وخلاص ما في قبلهم للتجار وأنكر على قاضي القضاة جمال الدين عبد الله التركمانيّ الحنفيّ ما عمله ومنع من التحدث في أمر التجار والمدينين فأخرج جرجي غرماء التجار من السجن وعاقبهم حتى أخذ للتجار أموالهم منهم شيئًا بعد شيء وتمكن الحاجب من حينئذ من التحكم على الناس بما شاؤوا. أمير جاندار: موضوع أمير جاندار التسلم لباب السلطان ولرتبة البرد دارية وطوائف الركابية والحرمانية والجندارية. وهو الذي يقدم البريد إذا قدم مع الدوادار وكاتب السرّ وإذا أراد السلطان تقرير أحد من الأمراء على شيء أو قتله بذنب كان ذلك على يد أمير جاندار وهو أيضًا المتسلم للزردخاناه وكانت أرفع السجون قدرًا ومن اعتقل بها لا تطول مدّته بها بل يُقتل أو يُخلى سبيله وهو الذي يدور بالزفة حول السلطان في سفره مساءً وصباحًا. الأستادار: إليه أمر البيوت السلطانية كلها من المطابخ والشراب خاناه والحاشية والغلمان وهو الذي كان يمشي بطلب السلطان في السرحات والأسفار وله الحكم في غلمان السلطان وباب داره وإليه أمور الجاشنكيرية. وإن كان كبيرهم نظيره في الأمرة من ذوي المئين وله أيضًا الحديث المطلق والتصرّف التام في استدعاء ما يحتاجه كلّ من في بيت من بيوت السلطان من ولم تزل رتبة الأستادار على ذلك حتى كانت أيام الظاهر برقوق فأقام الأمير جمال الدين محمود بن عليّ بن أصفر عيّنه استادارًا وناط به تدبير أموال المملكة فتصرّف في جميع ما يرجع إلى أمر الوزير وناظر الخاص وصارا يتردّدان إلى بابه ويمضيان الأمور برأيه فجلت من حينئذ رتبة الأستادار بحيث أنه صار في معنى ما كان فيه الوزير في أيام الخلفاء سيما إذا اعتبرت حال الأمير جمال الدين يوسف الاستادار في أيام الناصر فرج بن برقوق كما ذكرناه عند ذكر المدارس من هذا الكتاب فإنك تجده إنما كان كالوزير العظيم لعموم تصرّفه ونفوذ أمره في سائر أحوال المملكة واستقرّ ذلك لمن ولي الاستادارية من بعده والأمر على هذا إلى اليوم. أمير سلاح: هذا الأمير هو مقدّم السلاحدارية والمتولي لحمل سلاح السلطان في المجامع الجامعة وهو المتحدّث في السلاح خاناه وما يستعمل بها وما يقدم إليها ويطلق منها وهو أبدًا من أمراء المئين. الدوادار: ومن عادة الدولة أن يكون بها من أمرائها من يقال له الدوادار وموضوعه لتبليغ الرسائل عن السلطان وإبلاغ عامّة الأمور وتقديم القصص إلى السلطان والمشاورة على من يحضر إلى الباب وتقديم البريد هو أمير جاندار وكاتب السرّ وهو الذي يقدم إلى السلطان كل ما تؤخذ عليه العلامة السلطانية من المناشير والتواقيع والكتب وكان يخرج عن السلطان بمرسوم مما يكتب فيعين رسالته في المرسوم واختلفت آراء ملوك الترك في الدوادار فتارة كان من أمراء العشراوات والطبلخاناه وتارة كان من أمراء الألوف. فلما كانت أيام الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون ولي الأمير اقتمر الحنليّ وظيفة الدوادارية وكان عظيمًا في الدولة فصار يخرج المراسيم السلطانية بغير مشاورة كما يُخرج نائب السلطنة ويعين في المرسوم إذ ذاك أنه كتب برسالته ثم نُقل إلى نيابة السلطنة وأقام الأشرف عوضة الأمير طاش تمر الدوادار وجعله من أكبر أمراء الألوف فاقتدى به الملك الظاهر برقوق وجعل الأمير يونس الدوادار من أكبر أمراء الألوف فعظمت منزلته وقويت مهابته ثم لما عادت الدولة الظاهرية بعد زوالها ولي الداودارية الأمير بوطا فتحكم تحكمًا زائدًا عن المعهود في الدوادارية وتصرّف كتصرّف النوّاب وولّي وعزل وحكم في القضايا المعضلة فصار ذلك من بعده عادة لمن ولي الدوادارية سيما لما ولي الأمير يشبك والأمير حكم الدوادارية في أيام الناصر فرج فإنهما تحكمت في جليل أمور الدولة وحقيرها من المال والبريد والأحكام والعزل والولاية وما برح الحال على هذا في الأيام الناصرية وكذلك الحال في الأيام المؤيدية يقارب ذلك. نقابة الجيوش: هذه الرتبة في الدولة التركية من الرتب الجليلة ويكون متوليها كأحد الحجاب الصغار وله تحلية الجند في عرضهم ومعه يمشي النقباء فإذا طلب السلطان أو النائب أو حاجب الحجاب أميرًا أو جنديًا كان هو المخاطب في الإرسال إليه وهو الملزوم بإحضاره وإذا أمر أحد منهم بالترسيم على أمير أو جنديّ كان نقيب الجيش هو الذي يرسم عليه وكان من رسمه أنه هو الذي يمشي بالحراسة السلطانية في الموكب حالة السرحة وفي مدّة السفر ثم انحطت اليوم هذه الرتبة وصار نقيب الجيش عبارة عن كبير من النقباء المعدّين لترويع خلق الله تعالى وأخذ أموالهم بالباطل على سبيل القهر عند طلب أحد إلى باب الحاجب ويضيفون إلى أكلهم أموال الناس بالباطل افتراءهم على الله تعالى بالكذب فيقولون على المال الذي يأخذونه باطلًا هذا حق الطريق والويل لمن نازعهم في ذلك وهم أحد أسباب خراب الإقليم كما بُين في موضعه من هذا الكتاب عند ذكر الأسباب التي أوجبت خراب الإقليم. الولاية: وهي التي يسميها السلف الشرطة وبعضهم يقول صاحب العسس والعسس الطواف بالليل لتتبع أهل الريب يُقال: عس يعس عسًاو عسسًا. وأوّل من عس بالليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أمره أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه بعس المدينة. خرّج أبو داود عن الأعمش عن زيد قال: أتى عبد الله بن مسعود فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمرًا فقال عبد الله رضي الله عنه: إنّا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به. وذكر الثعلبيّ عن زيد بن وهب أنه قال: قيل لابن مسعود رضي الله عنه هل لك في الوليد بن عتبة تقطر لحيته خمرًا فقال: إنّا قد نهينا عن التجسس فإن ظهر لنا شيء نأخذ به وكان عمر رضي الله عنه يتولى في خلافته العسس بنفسه ومعه مولاه أسلم رضي الله عنه وكان ربما استصحب معه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. قاعة الصاحب: وكانت وظيفة الوزارة أجلّ رتب أرباب الأقلام لأنّ متوليها ثاني السلطان إذ أنصف وعرف حقه إلاّ أن ملوك الدولة التركية قدّموا رتبة النيابة على الوزارة فتأخرت الوزارة حتى قعد بها مكانها ووليها في الدولة التركية أناس من أرباب السيف وأناس من أرباب الأقلام فصار الوزير إذا كان من أرباب الأقلام يُطلق عليه اسم الصاحب بخلاف ما إذا كان من أرباب السيف فإنه لا يقال له الصاحب وأصل هذه الكلمة في إطلاقها على الوزير أنّ الوزير إسماعيل بن عباد كان يصحب مؤيد الدولة أبا منصور بويه بن ركن الدولة الحسن بن بويه الديلميّ صاحب بلاد الرّيّ وكان مؤيد الدولة شديد الميل إليه والمحبة له فسماه الصاحب وكان الوزير حينئذٍ أبو الفتح عليّ بن العميد يعاديه لشدّة تمكنه من مؤيد الدولة فتلقب الوزارة بعد ابن عباد بالصاحب ولا أعلم أحدًا من وزراء خلفاء بني العباس ولا وزراء الخلفاء الفاطميين قيل له الصاحب وقد جمعت في وزراء الإسلام كتابًا جليل القدر وأفردت وزراء مصر في تصنيف بديع والذي أعرف أنّ الوزير صفيّ الدين عبد الله بن شكر وزير العادل والكامل من ملوك مصر من بني أيوب كان يقال له الصاحب وكذلك من بعده من وزراء مصر إلى اليوم. وكان وضع الوزير أنّه أُقيم لنفاذ كلمة السلطان وتمام تصرّفه غير أنها انحطت عن ذلك بنيابة السلطنة ثم انقسم ما كان للوزير إلى ثلاثة هم: الناظر في المال وناظر الخاص وكاتب السرّ فإنه يوقع في دار العدل ما كان يوقع فيه الوزير بمشاورة واستقلال. ثم تلاشت الوزارة في أيام الظاهر برقوق بما أحدثه من الديوان المفرد وذلك أنه لما ولي السلطنة أفرد إقطاعه لما كان أميرًا قبل سلطنته وجعل له ديوانًا سمّاه الديوان المفرد وأقام فيه ناظرًا وشاهدين وكتابًا وجعل مرجع هذا الديوان إلى الأستادار وصرف ما يتحصل منه في جوامك مماليك استجدّها شيئًا بعد شيء حتى بلغت خمسة آلاف مملوك وأضاف إلى هذا الديوان كثيرًا من أعمال الديار المصرية وبذلك قوي جانب الاستادار وضعفت الوزارة حتى صار الوزير قصار نظره التحدّث في أمر المكوس فيستخرجها من جهاتها ويصرفها في ثم اللحم وحوايج المطبخ وغير ذك ولقد كان الوزير الصاحب سعد الدين نصر الله بن البقريّ يقول: الوزارة اليوم عبارة عن حوايج كاش عفش يشتري اللحم والحطب وحوايج الطعام وناظر الخاص غلام صلف يشتري الحرير والصوف والنصافي والسنجاب وأمّا ما كان للوزارة ونظار الخاص في القدين فقد بطل ولقد صدق فيما قال فإنّ الأمر على هذا. وما رأينا الوزارة من بعد انحطاط رتبتها يرتفع قدر متوليها إلاّ إذا أضيفت إلى الأستادارية كما وقع للأمير جمال الدين يوسف الأستادار والأمير فخر الدين عبد اغنيّ بن أبي الفرج. وأما من ولي الوزارة بمفردها سيما من أرباب الأقلام فإنما هو كاتب كبير يتردّد ليلًا ونهارًا إلى باب الأستادار ويتصرّف بأمره ونهيه وحقيقة الوزارة اليوم أنا انقسمت بين أربعة هم: كاتب السرّ والأستادار وناظر الخاص والوزير. فأخذ كاتب السرّ من الوزارة التوقيع على القصص بالولايات والعزل ونحو ذلك في دار العدل وفي داره. وأخذ الأستادار التصرّف في نواحي أرض مصر والتحدّث في الدواوين السلطانية وفي كشف الأقاليم وولاة الواحي وفي كثير من أمور أرباب الوظائف وأخذ ناظر الخاص جانبًا كبيرًا من الأموال الديوانية السلطانية ليصرفها في تعلقات الخزانة السلطانية وبقي للوزير شيء يسير جدًّا من النواحي والتحدّث في المكوس وبعض الدواوين ومصارف المطبخ السلطاني والسواقي وأشياء أُخر وإليه مرجع ناظر الدولة وشادّ الدواوين وناظر بيت المال وناظر الأهراء ومستوفي الدولة وناظر الجهات وأمّا ناظر البيوت وناظر الإصطبلات فإنه أمرهما يرجع إلى غيره. والله أعلم.
|